Get Mystery Box with random crypto!

(أفكار من دولاب المطبخ) _ كنت أحدث صديقة أتدارس معها أصول الف | لثغةُ الطُفولة

(أفكار من دولاب المطبخ)

_ كنت أحدث صديقة أتدارس معها أصول الفقه بأن الطبخ ميدان ممتاز لتطبيقات فقه الأولويات؛ أن تعرف كم من الوقت يلزم الرز على النار، والحرارة التي تناسب هذا النوع من المخبوزات، وما مقدار الملح المناسب لذاك، ومتى يجب أن تترك القدر لتنضج على نار هادئة، وتزن قوام الشوربة،وسكر الشاي، واستواء اللحم، فتقدم هذا وتأخر ذاك لتنتهي في الوقت المناسب تمامًا.
وأقرت بما لا يدع مجالًا للشك أنه ميدان فقهي وأصولي وفلسفي.

_ أعددت في إحدى مساءات رمضان لقهوة ما بعد التروايح قالبًا من كيك الفانيليا ولحرصي الشديد على أن لا تفسد خطوط كريمة الشوكلاتة المتعرجة أثناء التقطيع، قسمته لنصفين، ثم مرَرَت على الأول السكين بأشد ما يكون الحذر ويكأني أقوم بعملية جراحية تستلزم كامل الانتباه، وكان أن فسدت على الرغم من ذلك، أما الجانب الآخر فتعجلت تقطيعه من غير قصد وكان أن بدا كما رجوت..
تداعت لمخيلتي صورة قطط إيمرنس -الخادمة العجوز في رواية الباب- وقد نُهشت بعد أول مواجهةٍ مع العالم الخارجي، إذ لفرط حرص صاحبتهم عليهم أوصدت عليهم الأبواب فجهلوا مكامن الخطر وأساليب توقيه.

_ يقمن الأمهات بإعداد وصفات تهفو إليها القلوب ويسيل لها اللعاب، لا يعرف سرها ولا يقدر مقاديرها إلاّ هن، وتأتي كل مرة بذات الإتقان وبنفس الطعم المحبب المعهود، الملفت أن عمدتهن في ذلك (النظر) ولا شيء غيره وعلى قدر ما تحاول تعلم الوصفة وتجريبها إلاّ أنها لا تكون بنفس اللذة؛ وهكذا الحاذق في كل فن يصل مع المراس لدرجةٍ من استبطان القواعد حد أن يتطبع بها وتصير سجية يُصعب تعليمها، كما يعرف الصيرفي الماهر قطعة الفضة الرديئة من رنتها ووقعها على الأرض، وكما يفطن علماء الحديث المخضرمين لعلله الخفية.

_ لإضاءة المطبخ الخافتة سحر يحفز الثرثرة ويحث على الإفصاح، فما إن تفتح فاك حتى تندفع الكلمات يسابق بعضها بعضًا، وما إن تتنهد لخاتمة الكلام حتى تشعر بخفة من أزاح عبئًا تنوء به الكواهل، وللجلوس فيه بعد ساعة متأخرة من الليل ما للهبوب الباردة من الطمأنينة وما للذكرى من الشجن.

_ للنساء أحاجيهن الخاصة ومتعهن المتعالية؛ جلسة دافئة للخَبْز أو قطف الورقيات تدار معها النمائم والوشايات والأحلام وصروف الحياة، يمكنها أن تعدل راحة الاستجمام في أرقى المنتجعات.

_ يقال في المثل الدارج: " بيننا عيش وملح " للدلالة على عمق المودة وطول الوفاق، وهكذا تتجاوز ممارسات الطعام من تناول وإعداد وتقديم، معاني الإشباع وسد الجوع لتمتد لمعاني القرى والإكرام والمحبة والعناية والإيثار والذوق، ولتشكل روابط اجتماعية أكثر قوةً وحميمية أو حتى العكس! ولثقافات الشعوب وعاداتهم في تناول الطعام خير برهان، والحنين لخبز الأم وقهوتها كما صوّره درويش في منفاه لم يكن حنين جوع وإنما حنينٌ لمعنى.

موائد عامرة وأعياد سعيدة يا رفاق